الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم , وميزه عن سائر مخلوقاته بخصائص وسمات كثيرة, لعل أهمها وأعظمها ميزة العلم والحرية وإبداء الرأي والتدبر والاختيار , قال تعالى(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر......)"الكهف:29" وقال تعالى لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي.....)"من الآية:256سورة البقرة".
والصلاة والسلام على رسول الهدى والرحمة , الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وأعاد للإنسان حريته وإنسانيته بعد ان كادت قوى الشرك والوثنية والقساوسة والرهبان تسلبه إياها وتفقده معنى تلك الحرية التي بينها خالقه في أكثر من موقع في كتابه العزيز والتي منها (وما على الرسول إلا البلاغ المبين)وقوله تعالى:{ فذكر إنما أنت مذكر, لست عليهم بمسيطر) وكذلك قوله تعالىنحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد)"ق-آيه45"وحتى لا أطيل في الحديث فإنني سأحاول تبيان مكانة الحرية والرأي في الإسلام والمرتبطة وثيقا بالدين والتدين المتصف بالفطرة والذي قال عنه الله تعالى انه( فطرت الله التي فطر الناس عليها)"الروم:30وحتى أتمكن من إيضاح وإبراز تلك المكانة لابد من تناول النقاط التالية:
اولا:حقوق الانسان في الاسلام :
كلنا يعرف يا أحبتي في اللهأن الإسلام قد أعطى اهتماما وعناية كاملتين لحقوق الإنسان كاملة ومنها حقه في الحرية وإبداء الرأي والأدلة على ذلك كثيرة في الكتاب والسنة والفقه والتشريع الإسلامي, رغم سوء الفهم وما يتردد بين أوساط الكثير من الباحثين والمؤرخين والمهتمين بالشأن الإسلامي عموما وبحرية الرأي في الإسلام خصوصا, من أن تلك الحرية كانت محصورة على قادة الأمة وبأهل "الحل والعقد " أما تكفي مقولة الفاروق " عمر بن الخطاب"رضي الله عنه وأرضاه القائلمتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)
وقوله الذي لا ينسى " بضم الياء" في إحدى الوقائع التي أبدت فيها امرأة مسلمة رأيا مخالفا لرأيه وقال دون امتعاض "لقدأصابت المرأة وأخطأ عمر". لذلك يتبين أن الإسلام قد كرم الإنسان وأعلى مكانته ومنحه حقوقا لاحصر ولا مثيل لها , حتى إن الفقهاء والعلماء والباحثين قد اكدوا بان حرية الرأي قد اصبحت ركنا من اركان العقيدة الاسلامية وانها تقوم علىمجموعة من المرتكزات .
فماهي هذه المرتكزات التي تقوم عليها حرية الرأي في تصورالمنهج الاسلامي؟
ان منزلة الحرية في الإسلام تقوم على الأسس أو بالأصح المرتكزات الثلاثة التالية:
· تحرير الوجدان الإنساني من الذل والخوف والخضوع لغير الله
· تحرير عقل الإنسان من الخرافات والأوهام
· تحديد المسؤولية والمحاسبة الفردية
كماأن مفهوم حرية الرأي في الإسلام يقوم على دعامتين أساسيتين هما:
الأولى:اعتبار التنوع والاختلاف منطق الحياة
الثانية:إن لا عصمة لأحد بعد الأنبياء
فمفهوم الرأي لغة مشتق من الجذر رأى , والرؤية تتم بالعين , ورأى – لما يعلم بالقلب ولا يرى بالعين – رأيا,فالرأي هو ما يعتقده الإنسان ويراه ويشترط ابن القيم ضرورة توافر شرطين للرأي هما:
-أن يكون ذلك الرأي بعد فكرة وتأمل ولب لمعرفة وجه الصواب
- أن يكون الرأي فيم تتعارض فيه وجهات النظر وتختلف في إدراكه العقول, فالمتفق عليه ليس رأيا.
مجالات" مبادئ" حرية الرأي في الإسلام:
من أهم تلك المجالات أو المبادئ- مبداءالشورى في الإسلام
-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلممن رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان) أخرجه مسلم. ومن الوسائل الأخرى النقد والمراجعة والنصيحة...قال عليه الصلاة والسلامالدين النصيحة.. قلنا لمن؟ قال: لله, ولكتابه ,ولرسوله, ولائمة المسلمين, وعامتهم)متفق عليه, واللفظ لمسلم.لذلك فالحوار البناء والنقاش المثمر والنقد الموضوعي والمراجعات وعدم التعصب للرأي أوالاصرار عليه أو إكراه الآخرين وإجبارهم على تبنيه من المسائل التي وجه بها الشرع وأوجبها. ومن الآيات والأحاديث التي عل مسألة الاختلاف والتنوع في الرأي قوله تعالى ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين)الروم:22 وقوله تعالى: (لكل جعلنا شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة...)من الآية44 سورة المائدة , وقوله (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ...)الحجرات :13 لذلك فالتنوع والاختلاف في المنهاج الإسلامي ليس حقا فحسب بل سنة من السنن
إما ما يدلل ويبرهن على عدم قبول أو صحة بل ومنع فرض الرأي على الآخرين آياته وأحاديث منها فيما يخص المسؤولية والحساب الفردي وان كل امرئ مسؤل عن أفعاله وقراراته واختياراته, ونتائجها مصداقا لقوله تعالى: ( كل نفس بما كسبت رهينة)المدثر:38
وقوله: (وان للإنسان إلا ما سعى) النجم: 39 ومن الأحاديث : عن أبي سعيد ألخدري رضي الله عنه, ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيبا , فكان فيما قال:"ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه"أخرجه الترمذي.
لذلك فان الإسلام لا يرى قيمة للحياة الإنسانية بدون الحرية , فتكريم الله للإنسان واستخلافه على الأرض لا يمكن إن يفهم ويتصور إلا بتوافر وامتلاك الحرية بكل مقوماتها والتي منها امتلاكه إرادته واختياره وتحمل تبعات أعماله وأفعاله , كما أن حريته مرتبطة أوثق الارتباط بحريات الآخرين والاعتراف بها فالأوامر والتكليفات المناطة بنا بما فيها العبادة لا تستقيم إذا تعطلت الحرية والإرادة والممارسة , كذلك منهجية التغيير التي امرنا الإسلام بها قائمة على تلك الحرية قال تعالى: ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الرعد: 11
لكن تلك الحرية لها ضوابط وقيم لابد من توافرها والتي سميت بالآداب الشرعية المحكومة بالمبداء العام المتمثل بالآية الكريمة: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشى والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)النحل: 90 ومن سمات وخصائص هذه الضوابط كما يجمع عليها علماء الإسلام التالي:" إنها مستمدة من القدوة والمثل الأعلى مستمدة من الدين, تتسم بالشمولية والثبات والرسوخ , إنها قيم ملزمة وقائمة على المصلحة والتوازن,فلا إفراط فيها ولا تفريط, إنها الحرية المرتبطة بالمسؤولية المجتمعية, وبعد أن بينا ما استطعنا , مدى اهتمام الإسلام بحرية الرأي والممارسة الديمقراطية " الشوروية"أود وضع التساؤلات التالية:
· لماذا تشن "بضم التاء"الحملات المتواصلة على كل من يدعوا إلى المشاركة في عملية الانتخابات التشريعية البرلمانية – الرئاسية أو المحلية, وتخوين وتكفير القوى والشخصيات الداعية والمؤيدة لها؟
· لماذا التحامل والهجمة الشرسة التي يتعرض لها دعاة التغيير والمراجعات , خاصة تلك التي صدرت عن علماء مشهود لهم بالغيرة على الإسلام وحب المسلمين ؟
· ألا تمثل السلطات الحاكمة المنتخبة شعوبها ويتوجب على الجميع مساندتها ونصحها وطاعتها انطلاقا من مبدأ "وجوب طاعة ولي الأمر"؟
· الم تكف الآيات الدالة على حرية الاختيار والعقيدة والرأي والتفكير والتي منها "لا إكراه في الدين.."والآية" ...من شاء فليؤمن ومن شاء .." والآيات قل ياأيها الكافرون , لا أعبد ما تعبدون,ولا أنتم عابدون ما أعبد ,ولا أنا عابد ما عبدتم , ولا أنتم عابدون ما أعبد ,لكم دينكم ولي دين)سورة الكافرون الآيات من 1 إلى 6،الم تكن هذه الآيات وعدد لا يحصى من الأحاديث كافية ومقنعة لنا بعدم الاستعداء على اهل الكتاب وغيرهم من ذوي العقائد والأيديولوجيات الأخرى المخالفة لنا, خاصة بعد ان عرفنا وأوضحنا ان التنوع والاختلاف , سنة من سنن الحياة...؟
· لماذا وما فائدة العمليا ت الانتحارية التي تثير الحقد على الإسلام والمسلمين وتعرض جالياتنا الإسلامية في الغرب لمزيد من الاجراءات والضغوطات ,وتخضعهم لعمليات التفتيش التي تمس الشرف وتخدش الحياء وتحط الكرامة- خاصة لدى النساء المسلمات -
,ناهيك عن الخسائر والاضرار التي تلحق ببلداننا ومجتمعاتنا الإسلامية"المادية والبشرية"؟
· لماذا نعادي الامم والدول والانظمة التي تربطنا بهم علاقات ومصالح ومنافع , خاصة وان تلك الانظمة والبلدان تسمح للمسلمين تأدية شعائرهم الدينية كما يشاؤن ولم تفرض عليهم اية موانع أو قيود؟
· وفي الاخير اتسائل : لماذا نظهر الاسلام وكأنه – استغفر الله وأستعيذ به-, دين غير شامل مع انه , اشار وتضمن حقوقا للإنسان وحريات ليس لها مثيل,وجدت وطبقت منذ الاف السنين, وما فائدة التنكر لها والتنصل منها ؟
اننا بحاجة الى مراجعة شاملة لتراثنا الاسلامي وتعاليم ديننا الحنيف وضبط سلوكياتنا وممارساتنا وفقا لتلك التعاليم والقيم المبنية على اساس الحب والسلام والخلق الكريم والحوار بالحسنى ,فهل نحن فاعلون؟ أتمنى ذلك.. حتى نعيد للاسلام مجده وعزته وسطوعه ,وللانسان المسلم حريته وكرامته ومكانته.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منقول من منتدى انصار المجاهدين من العضو mugawen
موضوع: الإسلام وحرية الرأي ... 
2010-08-02, 3:22 pm
